الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف

 

نبـــذة عن حيــــاة الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف

  شخصيته :

شخصيـة صوفية من القرن العاشر الهجري يعتبر الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف من بين الأولياء الذين نالوا شعبية واسعة في شمال إفريقيا.

 

و خاصة في أوساط سكان نواحي العاصمة و الجنوب الوهراني و بعض مناطق من المغرب الأقصى حيث كان ينسب إليه كرامات ومجموعة من الأقوال حول البلدان و المدن و القبائل المختلفة كان له تأثير كبير بالمغرب بفضل عمله و نشاطه السياسي الهام أثناء حكم العثمانيين بالجزائر .

 

حياته و أعماله :

 

 ولــد أحمد بن يوسف بقلعة بني راشد بجبال بني شوقران جنوب شرق مدينة معسكر في أواسط القرن الخامـس عشـر 1435 و ينتمي إلى عائلة بني مرين الزناتية جاءت من مراكش لتقيد بجوار قبائل هوارة التي كانت تتمتع بشهرة كبيرة بغرب المغـرب الأوسـط. و إسم أحمد بن يوسف الكامل هو أبو العباس أحمد بن يوسف المريني (نسبا ) و الهواري (دار ا ).

 

و الراشـدي (نشأة ) و الملياني (وفاة ) ابن محمد . وكان يعرف باسم سيدي أحمد بن يوسف ، تخرج أحمد بن يوسـف من مدرسة تلمسـان الفكريــة في أواخر القرن التاسع الهجري و هي مدرسة محمد السنوسي ثم أصبح من تلاميـذ الشيخ أحمـد زروق البرنوصي ببجاية المتوفـي بطرابلس سنة 1494م و الذي كان بمثابة مرشده الروحي حيث أرشده إلى الطريق الشاذلي .

 

و لعل أحمد بن يوسف هو أكبر شخصية صوفية خصصها المؤلفون بالدراسة و تاليف الأشعار أهمها تأليف تلميذه محمد الصباغ القلعي التي أصبحت مصدرا لكل الدراسات عن شخصيته و حياته الصوفية عموما في الجزائر خلال القرن العاشر الهجـري . و تأليف الشيخ علي بن أحمد بن حاج موسى الجزائري في القرن التاسع عشر . و من مؤلفاته كتــاب " رسالة في الرقص و التصفيق و الذكر في الأسواق ".

 

و عندما رجع أحمد بن يوسف إلى موطنه الأصلي تزوج مرارا و أقام زاويته برأس الماء و التفت حوله جموع غفيرة من الموردين الذين تحمسوا لإتباع طريقته و بلغ عددهم 80.000 مورد ، و إشتهرت زاويته إشتهارا فائقا حتى قيل عنها كمركب سيدنا نوح من دخلها فقد سلم من كل سوء .

 

و انتشـرت طريقة أحمد بن يوسف الشاذلية في الجزائر و في المغرب الأقصى بسرعة أثناء حياته – و قال : إن الله قد أعطاه علم الظاهر و الباطن و طلب من الله تحقيق ثلاثة أمور فحققها له في ليلة واحدة و هي العلم بدون مشقة و بلغة فوق مبلغ الرجال و أراه الرسول صلى الله عليه و سلم في اليقظة لا في المنام – و قد اضطهد اتباع أحمد بن يوسف و تعرضوا للمضايقة في المغرب الأقصى و الجزائر من الزيانيين .

 

و خشيت الدولة الزيانية من اتساع نفوذ الشيخ أحمد بن يوسف . فأمر السلطان بقتله ، و كانت عامل وهران قائد هوارة و أمر بالرحيل ، فلما ارتحل من موطنه ليقيم زاويته بهليل بين قبـائل بنـي أردو قال : " شوشوا علينا يشوش الله عليهم من البر و البحر " فلم يمضي إلا قليل حتى أخذ السبان وهران و الأتراك تلمسان . و قد هـز الشيخ أحمد بن يوسف كيان الدولة الزيانية بالتجمعات مع أتباعه التي كان يعقدها برأس الماء و وهران و تلمسان و اشتد الخـلاف بينـه و بيـن الزيانييـن ، مما اضطـر كل من الملك أبو عبد الله (1505-1516) و أبو حمو (1516-1528) وضعه تحت نفوذهما و حاولا حبسه و اغتياله و حرقه و لكن لم تلتهمه و خرج منها سالما و دعا عليهم من جديد بتخريب ملكهم .

 

و لعـب الشيخ أحمد بن يوسف دورا سياسيا هاما خلال هذه الفترة ,حيث كلنت له اتصالات مع العثمانين قبـل 1517 و خاصة مع عروج الذي التقي مع الشيخ سرا بغرب الجزائر و اتفق معه في عدة أمور ضد مملكة تلمسان و قد أثمر هذا الإتصال بتحالف و تأبيد التزم به الطرفان طيلة العهد العثماني –و كرم خير الدين باروس أحمد بن يوسف في عـدة مناسبات بإرسال هدايا ثمينة باركة الشيخ عليها كثيرا . كما كان الشأن بالنسبة لإبنه محمد بن مرزوقة و اعترف به كخليفة لوالده في رئاستة الطريقة الشاذلية و نشر دعوتها –و ظلت هذه العلاقات سائدة بين العثمانين و أهل الطريقة اليوسفية حتي نهاية العهد التركي بالجزائر .

 

توفي أحمد بن يوسف بضواحي قرية الخربة بسهل الشلف في صفر 931هـ 25/1524 عند خروجه من تلمسان قاصدا الشرق و حملت جثته على ظهر بغلة و تابعت سيرها إلا أن توقفت بأحد أحياء مدينة مليانة أين كان مثواه الأخير .

 

وصف الضريح :

 

يقع ضريح الولي الصالح أحمد بن يوسف بمدينة مليانة جنوب غرب الجزائر العاصمة , و هو عبارة عن مبني قديم يحتوي علي صحن مربع محاط بثلاثة أوراق مكونة من عقود ترتكز على أعمدة و بوسط الصحن توجد نافورة ماء زادت المبني جمالا .

 

أما قاعة الضريح فهي ذات شكل مربع مغطاة بقبة ثمانية الأضلاع ترتكز على ثمانية أعمدة . و تكسو الجدران مجموعة من البلاطات الخزفية ذات الألوان و الأشكال المختلفة الرائعة . و يتوسط القاعة قبر الولي محفوضا بتابوت خشبي مزخرف.

 

متي بني الضريح و من أمر ببنائه ؟

 

إذا اعتمدنا على المعطيات المعمارية و الفنية التي يتميز بها ضريح أحمد بن يوسف ندرك بكل وضوح أنه يرجع إلي العهد العثماني حيث قام ببنائه محمد الكبير باي وهران في آواسط القرن الثامن عشر . كما تم العثور بالضريح على لوحة تذكارية تحمـل تاريخ بنـاء الضريـح و هذا نصها زاويـة الشيخ المجاهد في سبيـل الله القطب الجليـل سيدي أحمد بن يوسف 1192هـ/1774م.

 

الضريح و مكانته الإجتماعية :    

 

يعتبـر ضريح أحمد بن يوسف مركزا شعائريا هاما لمدينة مليانة فهو يعد بمثابة النواة الرئسية أين تكمن روح العـادات و التقاليد الشعبية للمنطقة و مازالت زاوية أحمد بن يوسف بمليانة تستقبل جموع الزوايا الوافدين إليها من كل حدب و صوب لزيـارة قبر الولي الصالح . و في هذا السياق يفيدنا الدكتور شاوو بقوله :..."و في فصل الربيع يقدم اليها (أي مليانة ) من الجزائر و البليدة و النواحي الأخري جموع الزوار ليتبركون بوليها الصالح سيدي أحمد بن يوسف ".

 

  

 

و ينسب إلي الضريح عادات إجتماعية و شرعية و دينية مازال أهل مليانة و بعض النواحي من البلاد متمسكين بها .

 

أ‌) العادات الإجتماعية : نذكر صلوات الجنازة و إيقام حفل الإختتان و الأعراس

 

ب‌)  العادات الشرعية :أداء القسم    

 

ت‌)  العدات الدينية : تتمثل في الإحتفال بالمولد النبوي الشريف و الركبان الموسمية و هذه العادة تعتبر من أقدم العادات الشعبية التي نسبت للضريح حيث تنظم كل سنة تبركا و تكريما للولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف.

 

و من أهم هذه الركبان نذكر :

 

-ركب بني فرح الوافد من دوار العناب و دوار بني غمريان و بوهلال بنواحي شرشال في نهاية موسم الربيع

 

-ركب بني مناصر يشمل نواحي بن علال و عريب و عين الدفلى .

 

و بهذه المناسبة كانت تقام الأفراح طيلة ثلاثة أيام في جو حماسي بهيج حيث تزين ساحة الضريح و شوارع المدينة يقدم بائع الحلويات و الموسيقيون بآلاتهم التقليدية و الفرسان بخيولهم و بنادقهم – و من مدخل المدينة يسير جميع الزوار في موكب رائع نحو ضريح سيدي أحمد بن يوسف حاملين البنود و مهللين قصائد دينية .

 

و بداخل الضريح تلتفت النساء حول التابوت و يتشبكن بغطائه الحريري و يتمتمن عبارات من الدعاء توسلا بالولي الصالح ثم يقدمن هدايا أو نقود للوكيل ، و بجنبيه جماعة من حفاظ القرآن الكريم يتلون آيات من المصحف الشريف .

 

هذا بإيجاز عن مشاهد الفرح عند حلول موسم الركبان .

 

و مازالت مدينة مليانة تسطع بنورها على المنطقة فضلا عن وجود ضريح سيدي أحمد بن يوسف كمركز ديني يستقطب إهتمام الزوار الذين يقودونه طول السنة .